ميثاق الأمم المتحدة.. 80 عاماً من الآمال المعلّقة والانتهاكات المتكررة

ميثاق الأمم المتحدة.. 80 عاماً من الآمال المعلّقة والانتهاكات المتكررة
الأمم المتحدة- أرشيفية

وقّعت ثمانون دولة في مثل هذا اليوم من عام 1945 ميثاق الأمم المتحدة، واضعة حجر الأساس لأكثر منظمة دولية طموحًا في تاريخ البشرية، تحت شعار رئيسي: "إنقاذ الأجيال المقبلة من ويلات الحرب". 

ورغم أن الميثاق لا يزال يشكل مرجعية دولية للسلام وحقوق الإنسان، فإن الانتهاكات المتكررة لبنوده على مدار ثمانية عقود أثارت تساؤلات عميقة حول فاعليته وعدالته وآليات تنفيذه، بحسب ما ذكرت وكالة “فرانس برس”، اليوم الخميس.

وشدّد الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش هذا الأسبوع، في الذكرى السنوية لتوقيع الميثاق، على أن الوثيقة "ليست مجرد حبر على ورق، بل هي وعد بالسلام والكرامة والتعاون بين الأمم"، في محاولة لتجديد الإيمان بمبادئ الميثاق رغم الانقسامات الجيوسياسية والحروب المتصاعدة، خصوصًا في الشرق الأوسط وأوكرانيا.

بداية الحلم الأممي

شهد العالم ولادة الميثاق خلال مؤتمر سان فرانسيسكو في أبريل 1945، حيث اجتمعت خمسون دولة لرسم ملامح نظام عالمي جديد بعد كوارث الحرب العالمية الثانية. 

وتمت المصادقة الرسمية عليه في 24 أكتوبر 1945، بعد موافقة القوى الخمس الكبرى: الولايات المتحدة، الاتحاد السوفيتي، الصين، المملكة المتحدة، وفرنسا، إلى جانب غالبية الدول الأخرى.

ونصّ الميثاق على تأسيس مجلس الأمن الدولي بمنح الدول الخمس حق النقض (الفيتو)، وهو الحق الذي سيصبح لاحقًا محور انتقادات كبرى لما سبّبه من شلل في قرارات المجلس أمام الأزمات.

نصوص مثالية وواقع صعب

ضمّ ميثاق الأمم المتحدة 19 فصلًا و111 مادة، حدّدت مبادئ العلاقات الدولية، من أبرزها: حل النزاعات سلميًا، احترام سيادة الدول، المساواة بين الأمم، التعاون الإنساني، وحماية حقوق الإنسان.

ومنح الفصل السابع مجلس الأمن صلاحيات تنفيذية واسعة في حال تهديد السلم، تتراوح من العقوبات الاقتصادية وصولًا إلى استخدام القوة العسكرية. 

وأوضّح الميثاق آلية عضوية الأمم المتحدة، التي تضم اليوم 193 دولة، وحدّد شروطًا شبه مستحيلة لتعديله، تتطلب موافقة ثلثي الأعضاء، ومن ضمنهم الأعضاء الدائمون في مجلس الأمن.

فجوات ومواقف مزدوجة

فتحت المواد الغامضة في الميثاق الباب أمام تفسيرات متناقضة، حيث تتعارض المادة الخاصة بحق الشعوب في تقرير المصير مع مبدأ عدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول، بينما يُستخدم مفهوم الدفاع المشروع لتبرير التدخلات العسكرية، حتى حين تكون مثار جدل قانوني.

ووقعت أبرز الخلافات القانونية في العقود الأخيرة بشأن الغزو الأميركي للعراق عام 2003 والغزو الروسي لأوكرانيا في 2022. ففي كلا الحالتين، فشل مجلس الأمن في اتخاذ إجراءات عقابية بسبب حق الفيتو، ما دفع المراقبين لوصف المنظمة بأنها "رهينة بيد الأقوياء".

وقال الأمين العام الأسبق كوفي عنان، إن الحرب على العراق كانت "غير مشروعة"، بينما أدان غوتيريش والأغلبية في الجمعية العامة غزو روسيا لأوكرانيا، دون أن يتمكن المجلس من اتخاذ موقف رسمي بسبب الفيتو الروسي.

عقوبات بلا طرد

رغم أن المادة السادسة تتيح فصل أي دولة تنتهك الميثاق، لم تُفصل أي دولة من الأمم المتحدة منذ تأسيسها. الاستثناء الوحيد كان تعليق مشاركة جنوب إفريقيا عام 1974 بسبب سياسات الفصل العنصري.

وترى الباحثة في المجلس الأطلسي غيسو نيا أن "الإفلات من العقاب" بات نهجًا تتبنّاه الدول الكبرى، ما أدى إلى تشكيك واسع في حيادية الأمم المتحدة وقدرتها على إلزام الدول بالقانون الدولي.

وفي مثال حديث، اتهمت إيران الولايات المتحدة بخرق الميثاق عقب قصف منشآتها النووية، فيما ردّت واشنطن بأن الهجمات تندرج تحت "الحق الجماعي في الدفاع المشترك". 

وتُعد هذه النقطة واحدة من أكثر المسائل جدلًا، خاصة عندما لا يتم تقديم أدلة قاطعة على "هجوم وشيك".

نقاش الإصلاح المؤجل

يرى كثير من الخبراء أن إصلاح منظومة الأمم المتحدة لم يعد خيارًا بل ضرورة. ولكن الآلية المعقّدة لتعديل الميثاق، والمصالح المتضاربة للدول الكبرى، تُبقي التغيير حبيس التصريحات، رغم دعوات متكررة من دول الجنوب العالمي، والعديد من القادة، مثل الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون والأمين العام الحالي أنطونيو غوتيريش.

ورغم مضي ثمانين عامًا على توقيع الميثاق، لا تزال المبادئ التي نصّ عليها تواجه اختبارات قاسية بفعل الحروب، والمجاعات، والنزاعات السيادية. 

وبينما يرى البعض في الأمم المتحدة أملًا في التعاون الدولي، يرى آخرون أنها باتت أداة رمزية عاجزة عن كبح عدوان الدول الكبرى أو فرض العدالة.



موضوعات ذات صلة


ابق على اتصال

احصل على النشرة الإخبارية